فصل: باب: التَّنَفُّسِ في اْلإِنَاء

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فيض الباري شرح صحيح البخاري ***


باب‏:‏ البَاذَقِ وَمَنْ نَهى عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ مِنَ اْلأَشْرِبَة

وَرَأَى عُمَرُ وَأَبُو عُبَيدَةَ وَمُعَاذٌ شُرْبَ الطِّلاَءَ عَلَى الثُّلُثِ، وَشَرِبَ البَرَاءُ وَأَبُو جُحَيفَةَ عَلَى النِّصْفِ‏.‏ وَقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ اشْرَبِ العَصِيرَ ما دَامَ طَرِيَّا‏.‏ وَقالَ عُمَرُ‏:‏ وَجَدْتُ مِنْ عُبَيدِ اللّهِ رِيحَ شَرَابٍ، وَأَنَا سَائِلٌ عَنْهُ، فَإِنْ كانَ يُسْكِرُ جَلَدْتُهُ‏.‏

وهو معرب باده أي شراب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏شرب الطلاء على الثلث‏)‏ واعلم أنَّ العصير إذا طُبخ حتى إذا ذهب ثلثاه أمِنَ من الفسادِ، ولا يسكر أيضاً، وكذلك لا يتخلل أيضاً، فالمقصود من هذا الطبخ هو دَوامُه، وحفظه عن التغيُّر والفسادِ، والسُّكر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وشرب البراء، وأبو جحيفة على النصف‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، واعلم أن المنصَّفَ حرامٌ، لكونه مُسكراً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإن كان يسكر جلدته‏)‏ وقصته‏:‏ أن ابني عمر كانا ذهبا إلى المصر للجهاد، وكان الأميرُ فيها عمرو بن العاص، فشربَ عُبيد الله طلاءً يظنُّه غير مسكرٍ، فسكِرَ، وكان عمر قد أحل الطِّلاء لأهل الشام، كما علمت، فقال له عبد الله‏:‏ إنك أمير، والحد إليك، فلو حدَدْتَه على وجه لا يُعرف به أحد، ففعل‏.‏ فلما بلغ ذلك عمر، قال‏:‏ يا عمرو بن العاص كنتُ أثقُ بك، ولكن أخطأتَ فيما ظننتُ فيك، فدعا عبد الله، وكان عليلاً، فحدَّه، فتوفِّيَ فيه، وإنما حده عمر على السكر لا على شرب الطِّلاء، فإنَّه كان أحلَّه لأهل الشام‏.‏ وقد علمت من كلام الحافظ الاختلاف في أنواع العنب‏.‏ وما نُقل أنه ضربَ الحدَّ على قبرِه بعد وفاتِه، فغلطٌ‏.‏

5598- قوله‏:‏ ‏(‏سبق محمد الباذق‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، أي إن هذه الأسماء فشتْ بعده، ولم تكن في زمن النبيِّ صلى الله عليه وسلّم وإنما مهد لنا ضابطةً كلية، فخذوا منها أحكام الباذق، وغيرها‏.‏

5598- قوله‏:‏ ‏(‏قال‏:‏ الشراب الحلال الطيب‏)‏ ولا يُفهم معناه، إلا بتغيير النغمة، يعني أليس الباذق حلالاً طيباً‏؟‏ وحاصل جواب ابن عباس أنَّ الأشياءَ على نوعين‏:‏ حلال طيب، وحرام خبيث، فإذا لم يكن الباذقُ من الأول، كان من الثاني ضرورةً‏.‏

باب‏:‏ مَنْ رَأَى أَنْ لاَ يَخْلِطَ البُسْرَ وَالتَّمْرَ إِذَا كانَ مُسْكِراً،وَأَنْ لاَ يَجْعَلَ إِدَامَينِ في إِدَام

وإنما نهى عنه لتسارُعِ الفساد فيه، فالنهي فيه لسدِّ الذرائع‏.‏

باب‏:‏ شُرْبِ اللَّبَن، وَقَوْلِ الله تعالى‏:‏ ‏{‏من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين‏}‏ ‏(‏النحل‏:‏ 66‏)‏

باب‏:‏ اسْتِعْذَابِ المَاء

باب‏:‏ شُرْبِ اللَّبَنِ بالمَاء

باب‏:‏ شَرَابِ الحَلوَاءِ وَالعَسَل

وَقالَ الزُّهْرِيُّ‏:‏ لاَ يَحِلُّ شُرْبُ بَوْلِ النَّاسِ لِشِدَّةٍ تَنْزِلُ، لأَنَّهُ رِجْسٌ، قالَ اللّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيّبَتُ‏}‏ ‏(‏المائدة‏:‏ 5‏)‏، وَقالَ ابْنُ مَسْعُودٍ في السَّكَرِ‏:‏ إِنَّ اللّهَ لَمْ يَجْعَل شِفَاءَكُمْ فِيما حَرَّمَ عَلَيكُمْ‏.‏

فائدة‏:‏

واعلم أن المصنف ختم باب الأشربة، وكان الظنُّ به أنه يشدِّدُ فيه الكلامَ في حق الحنفية، ولكنه مرّ ساكتاً، ولم يُعرِّض بشيء‏.‏ والنسائي وضع كتاب الأشربة في آخر كتابه، وشدَّد فيه الكلام، فلما رأيت تذكرته، وجدتُ فيها أنه كان متهماً بشرب النبيذ، وحينئذ تبين لي السرُّ في تغليظه، وعلمت أنه يذبُّ عن نفسه‏.‏

قلتُ‏:‏ ولما كانت المسألة شهيرةً بين الأنام، أردت أن أزفَّ إليك بعض النقول المهمة في ذلك، واستوعبت غررها، وأرجو من الله سبحانه أن لا تتأسف على فقد شيء بعدها، وإنما أَعرض عنها الشيخ، لما لاح له الجُنُوح إلى مذهب الجمهور‏.‏

قال في «المعتصر»‏:‏ عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قال‏:‏ «كل شراب أسكر فهو حرام»‏.‏ وعنها قالت‏:‏ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن البِتْع، فقال‏:‏ «كل شراب أسكر فهو حرام»‏.‏ وعن أبي موسى أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم لما بعث معاذاً، وأبا موسى، إلى اليمن، قال له أبو موسى‏:‏ «إن شراباً يُصنع في أرضنا من العسل، يقال له‏:‏ البِتْع، ومن الشعير، يقال له‏:‏ المِزْر»‏.‏ فقال صلى الله عليه وسلّم «كل مسكر حرام»‏.‏

ولما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن البِتْع، فجاوب بقوله‏:‏ «كل شراب أسكر فهو حرام» احتمل أن يكون ذلك على الشراب المُسكر كثيرُه، فيكون حراماً إذا أسكر، لا إذا لم يُسكر‏.‏ واحتمل أن يكون قليله وكثيره حراماً، فنظرنا فوجدنا من رواية أبي إسحاق عن أبي بُردة عن أبيه، قال‏:‏ «بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلّم أنا، ومعاذاً إلى اليمن، فقلت‏:‏ إنك بعثتنا إلى أرضٍ كثير شراب أهلها»، فقال‏:‏ «اشربا، ولا تشربا مسكراً»‏.‏ وعنه قال‏:‏ بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلّم إلى اليمن، فقلنا‏:‏ «إن بها شراباً يصنع من الشعير والبُر، يُسمّى المِذْر ومن العسل يسمى‏:‏ البِتْع»، قال‏:‏ «اشربوا، ولا تشربوا مسكراً»، أو قال‏:‏ «لا تسكروا» ففيها إطلاق الشرب، والنهي عن المسكر‏.‏

فعقلنا أنَّ السكرَ المراد في الأحاديث السابقة هو ما يُسكر من تلك الأشربة، لا ما لا يسكر منها‏.‏ وعن أبي موسى، قال‏:‏ بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلّم ومعاذاً إلى اليمن، فقلت‏:‏ «يا رسول الله، أفتنا بشرابين كنا نصنعهما باليمن‏:‏ البِتْع من العسل، ينبذ حتى يشتد؛ والمِزْر من الشعير والذرة، ينبذ حتى يشتد»؛ قال‏:‏ وكان النبي صلى الله عليه وسلّم أعطي جوامع الكلم بخواتمه، فقال‏:‏ «حرام كل مسكر، أسكر عن الصلاة» فعاد إلى أنه لا يُمنع القليل من الشراب الذي يسكر كثيره، فإنَّ القليل لا يُسكر عن الصلاة‏.‏ وارتفع التضاد بين الآثار، وامتنعَ شُرب ما يُسكر منها، وحل شُرب ما لا يسكر منها‏.‏

ومنه عن ابن عباس، قال‏:‏ «حرمت الخمر لعينها، والسكر من كل شراب»‏.‏ وعنه‏:‏ «حرمت الخمر لعينها، القليل منها، والكثير، والسكر من كل شراب»؛ رَوى ذلك مِسْعَر بن كِدَام، وأبو حنيفة، وابن شبرمة، والثوري عن أبي عون، عن عبد الله بن شداد، عن ابن شداد، ورواه شُعبة عن مِسْعر بهذا الإِسناد، فقال فيه‏:‏ والمسكر من كل شراب، بخلاف ما رواه عنه وكيع، وأبو نُعيم، وجرير، وثلاثة أولى بالحفظ من واحد‏.‏

مع أن شُعبة كثيراً ما يحدِّثُ بالشيء على ما يظن أنه معناه، وليس في الحقيقة معناه، فيحوِّلُ الحديثَ إلى ضده، كما في حديث توريث الخال‏.‏ فقال فيه‏:‏ «والخال وارث من لا وارث له، يرث ماله، ويعقل عنه‏.‏ وإنما هو «يرث ماله، ويفك عانيه»‏.‏ كذلك رواه غيره من الرواة، وسيأتي‏.‏ ومن ذلك حديث أنس‏:‏ «أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم نهى أن يتزعفر الرجل»، وحدث هو به‏:‏ «نهى عن التزعفر»، وهما مختلفان، لأن نهيه عن التزعفر يدخل فيه الرجال والنساء، بخلاف قوله‏:‏ نهى أن يتزعفر الرجل‏.‏ اهـ‏.‏ «المعتصر»‏.‏

وفي «العَرْف الشذي»- تقديره للترمذي، ضبطه الفاضل محمد جراع زيد مجده- مع بعض تغيير في العبارة، وتخريج الأحاديث مني، قال‏:‏ إن هذه المسألة لم أجد فيها ما يَشفي الصدور، ونَقَلَ أنَّ الكَرْخِي صنفَ في هذه المسألة كتاباً مستقلاً، لكنا ما وجدناه‏.‏ واعلم أن الخمر عند أبي حنيفة، وأبي يوسف‏:‏ عصير العنب إذا غلا جوش مارا، واشتد تيزهئوا اوراتها، وقذف بالزبد؛ وأحكامه عشرة مذكورة في «الهداية»‏:‏

منها أن مستحلَّها كافر، وأنها نجسةٌ غليظة، وأن قليلها وكثيرها حرام، وأن شاربَها محدودٌ، أَسَكِرَ، أم لا، وسواها أشربةٌ ثلاثة أخرى، قليلها وكثيرها حرام‏.‏ وفي رواية‏:‏ نجسة خفيفة، وفي رواية‏:‏ غليظة‏.‏ أحدها‏:‏ الطِّلاء، وهو عصير العنب المطبوخ الذي لم يُطبخ ثلثاه واشتد، والخمر لا يُطبخ، وللطِّلاء تفسير آخر، وثانيها‏:‏ السَّكَر؛ والثالث‏:‏ النَّقِيع، وهذه الثلاثة، والخمر تسمى بالأشربة الأربعة، ويكون قليلها، وكثيرها حراماً، ولا يطلق لفظ الخمر إلا على الأول من الأربعة‏.‏

وأما ما سواها فيتخذ النبيذ من كل شيء من الحبوب، والثمار، الألبان، وتسمى هذه الأقسام بالأنبذة، وحكمها ما ذكروا‏:‏ أن القليل- أي القدر- غير المُسكر منها حلال إذا كان بقصد التقوّي على العبادة، وحرام بقصد التلهي، والكثير- أي القدر- المُسكر منها حرام‏.‏ وهذا مذهب الشيخين، وَوَكيع بن الجراح، وسفيان الثوري، ولعل سفيان رجع عنه‏.‏

وفي «الهداية» عن الأوزاعي أيضاً وفاقُ أبي حنيفة في الجملة، وبعض الصحابة رضي الله تعالى عنهم أيضاً، وإن تأولت الخصومُ أقوالهم، وأئمة آخرون أيضاً مُوَافِقُون للشيخين في الجملة‏.‏ وأما الشافعي، وأحمد، ومالك، ومحمد بن الحسن، وجمهور الصحابة رضي الله تعالى عنهم، فذهبوا إلى أنَّ المُسكر المائع من كل شيءٍ يحرُم قليله وكثيره، أسكر أم لم يُسكر، والمسكر الجامد ليس بخمر‏.‏ وأفتى أرباب الفتوى منا بقول محمد بن الحسن‏.‏

وأما أرباب اللغة فيشيدون بأقوال أئمتهم، ذكر صاحب «القاموس» الشافعي معنى الخمر موافق الجمهور، وذكر مذهب أبي حنيفة بقيل‏.‏ وذكر الزمخشري معناه على وَفق أَبي حنيفة، وقال‏:‏ ليس في اللغة إلا هذا المعنى‏.‏ ومن المعلوم أن الزمخشري أحذقُ من صاحب «القاموس»، لأنه إمام اللغة‏.‏

أقول‏:‏ إن أصل معنى الخمر لغةً ما قال أبو حنيفة، ولكنه مُستعملٌ في معنى الحجازيين أيضاً، والمعنيان على الحقيقة، ويمكن للجمهور أن يقول‏:‏ إن الشارع لما ذكر حُكم ما زعمتموه خمراً، وحُكمَ غيره واحداً، فأي اعتراض‏؟‏ ونظير استعمال الخمر في المعنيين لفظ «كل» في الفارسية- معناه صلى الله عليه وسلّم ول كلاب- إذا استعمل مطلقاً، وإذا استعمل مقيداً فالاعتبار للقيد نحو ‏(‏كل نركس‏)‏، أو غيره، والاستعمالان حقيقيان‏.‏ هذا ما بدا لي في شواهد أبي حنيفة من اللغة، قال المتنبي‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏ ‏.‏‏.‏‏.‏ ‏.‏‏.‏‏.‏ ‏.‏‏.‏‏.‏ ‏.‏‏.‏‏.‏ *** فإن في الخمر معنى ليس في العنب

وقال أبو الأسود الدُّؤلي أستاذ الحسنين‏:‏

دع الخمرَ يشربها الغُواة، فإِنني *** أخذتُ أخاها، مغنياً بمكانها

فإِنْ لم تَكُنْه، أو يَكُنْها، فإِنه *** أخُوْها، غذتْه أمه بلِبَانِها

ويقول شاعر آخر متدين‏:‏

وإني لأكرهَ تشديدَ الرواةِ لنا *** فيه، ويعجبني قول ابن مسعود

قال ابن مسعود بمثل ما قال أبو حنيفة، ثم أقول، مغيِّراً عبارتهم، لا غرضهم‏:‏ ولعل ذلك يجدي شيئاً، قالوا‏:‏ إن ما سوى الأشربة الأربعة حلال قليله، على قصد التقوّي على العبادة، ويحرُم على قصد التلهي، وأقول مغيراً عبارتهم‏:‏ إن ما سوى الأربعة حرام، إلا قدرَ قليل، بقصد التقوّي على العبادة، والفرقُ أن عبارتَهم تُشعر أنَّ الأصلَ الإِباحة، والحرمةَ بعارض التَّلهي، وعلى ما قلت، تُشعر بأن الأصلَ الحُرمة، وإنما الحلالُ قدر قليل بقصد التقوّي على العبادة، فإِذن يكون التقوِّي مثل التداوي، فيُحوَّلُ الأمر إلى باب التداوي، ولا تكون الأحاديث الوافرة مخالفةً لأبي حنيفة‏.‏

وهذا يكون شبيه قولنا‏:‏ إن الميتة حرامٌ إلا عند الاضطرار، فيكون التقوي على العبادة مخصوصاً، ومستثنى، ونطالب دليلَ التخصيص، فسأبينه، فيكون جميع أحاديث «المسكر حرامٌ» على ظاهرها، مثل أن يقال‏:‏ إن الميتة حرامٌ، وفي كتب الحنفية أنَّ شُربَ الماء على حكاية شُرب الخمر حرام، ووجدتُ لقولهم هذا دليلاً، قول أبي هريرة مثل قولنا في «مدخل ابن الحَاج المالكي»‏.‏

وقال بعض الحنفية‏:‏ إنَّ كلَّ محرمٍ بعضُ جنسه حلالٌ، فيكون النبيذ حلالاً لكونه من جنس الخمر الذي هو حرامٌ، وله نظائر، كالحرير، فإنَّه حرام، ويجوزُ منه قدر أربعة أصابع للرجال، وكذلك الذهب، والفضة، ووجدت لقولهم دليلاً من قول بعض السلف عن بعض أهل البيت، أنهم ذكروا مثل ما ذكره بعض الحنفية، وقال‏:‏ إن نهر طالوت كان كثيره حراماً، وقليله حلالاً، فعلم أنَّ لقول ذلك البعض من الحنفية أصلاً‏.‏

وأما أدلة الحنفية، فمنها ما أخرجه أبو داود‏:‏ في باب الأوعية‏:‏ حدثنا وَهْب بن بقية، عن خالد، عن عوف، عن أبي القَمُوص زيد بن علي، قال‏:‏ حدثني رجل كان من الوفد الذين وَفَدوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم من عبد القيس، يحسبُ عوف أنَّ اسمه قيس بن النعمان، فقال‏:‏ «لا تشربوا في نقير، ولا مُزَفّت، ولا دباء ولا حَنْتَم، واشربوا في الجلد الموكأ، فإن اشتد فاكسروه بالماء، فإن أعياكم، فأهريقوه»، وسنده جيد‏.‏

وقيل في الجواب‏:‏ إن الاشتداد الغلظة، لا الإِسكار، وهذا مهملٌ، لأن الاشتدادَ المستعمل في المسكرات، والأنبذة بمعنى المُسكر، كما في مسلم‏:‏ حدثنا إسحاق بن إبراهيم، ومحمد بن أحمد بن أبي خلف، واللفظ لابن أبي خلف، قالا‏:‏ أخبرنا زكريا بن عدي، قال‏:‏ أخبرنا عبيد الله، وهو ابن عمر، عن زيد بن أبي أُنَيسة، عن سعيد بن أَبي بُردة‏:‏ حدثنا أبو بُردة عن أبيه، قال‏:‏ بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلّم ومعاذاً إلى اليمن، فقال‏:‏ «ادعوا الناس، وبشِّرا ولا تنفِّرا، ويسِّرا ولا تعسرا»، قال‏:‏ فقلت‏:‏ «يا رسول الله أفتنا في شرابين، كنا نصنعهما باليمن‏:‏ البِتْع، وهو من العسل، ينبذ حتى يشتد، والمِزْر، وهو من الذرة، والشعير، ينبذ حتى يشتد، قال‏:‏ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلّم قد أعطي جوامع الكلم بخواتمه، فقال‏:‏ «أنهى عن كل مسكر، أسكر عن الصلاة»‏.‏ وقيل‏:‏ إن المراد بالاشتداد الحموضة‏.‏

وأقول‏:‏ أيُّ فائدة في الإِهراق في هذه الصورة‏؟‏ فإنَّ دفعَ الحموضة ممكن بالماء أيضاً، والماء المختلط بالنبيذ يكون أصلح من الماء القَرَاح، فأيُّ نفع في الإِهراق‏؟‏‏.‏

وهذا يكون شبيه قولنا‏:‏ إن الميتة حرامٌ إلا عند الاضطرار، فيكون التقوي على العبادة مخصوصاً، ومستثنى، ونطالب دليلَ التخصيص، فسأبينه، فيكون جميع أحاديث «المسكر حرامٌ» على ظاهرها، مثل أن يقال‏:‏ إن الميتة حرامٌ، وفي كتب الحنفية أنَّ شُربَ الماء على حكاية شُرب الخمر حرام، ووجدتُ لقولهم هذا دليلاً، قول أبي هريرة مثل قولنا في «مدخل ابن الحَاج المالكي»‏.‏

وقال بعض الحنفية‏:‏ إنَّ كلَّ محرمٍ بعضُ جنسه حلالٌ، فيكون النبيذ حلالاً لكونه من جنس الخمر الذي هو حرامٌ، وله نظائر، كالحرير، فإنَّه حرام، ويجوزُ منه قدر أربعة أصابع للرجال، وكذلك الذهب، والفضة، ووجدت لقولهم دليلاً من قول بعض السلف عن بعض أهل البيت، أنهم ذكروا مثل ما ذكره بعض الحنفية، وقال‏:‏ إن نهر طالوت كان كثيره حراماً، وقليله حلالاً، فعلم أنَّ لقول ذلك البعض من الحنفية أصلاً‏.‏

وأما أدلة الحنفية، فمنها ما أخرجه أبو داود‏:‏ في باب الأوعية‏:‏ حدثنا وَهْب بن بقية، عن خالد، عن عوف، عن أبي القَمُوص زيد بن علي، قال‏:‏ حدثني رجل كان من الوفد الذين وَفَدوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم من عبد القيس، يحسبُ عوف أنَّ اسمه قيس بن النعمان، فقال‏:‏ «لا تشربوا في نقير، ولا مُزَفّت، ولا دباء ولا حَنْتَم، واشربوا في الجلد الموكأ، فإن اشتد فاكسروه بالماء، فإن أعياكم، فأهريقوه»، وسنده جيد‏.‏

وقيل في الجواب‏:‏ إن الاشتداد الغلظة، لا الإِسكار، وهذا مهملٌ، لأن الاشتدادَ المستعمل في المسكرات، والأنبذة بمعنى المُسكر، كما في مسلم‏:‏ حدثنا إسحاق بن إبراهيم، ومحمد بن أحمد بن أبي خلف، واللفظ لابن أبي خلف، قالا‏:‏ أخبرنا زكريا بن عدي، قال‏:‏ أخبرنا عبيد الله، وهو ابن عمر، عن زيد بن أبي أُنَيسة، عن سعيد بن أَبي بُردة‏:‏ حدثنا أبو بُردة عن أبيه، قال‏:‏ بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلّم ومعاذاً إلى اليمن، فقال‏:‏ «ادعوا الناس، وبشِّرا ولا تنفِّرا، ويسِّرا ولا تعسرا»، قال‏:‏ فقلت‏:‏ «يا رسول الله أفتنا في شرابين، كنا نصنعهما باليمن‏:‏ البِتْع، وهو من العسل، ينبذ حتى يشتد، والمِزْر، وهو من الذرة، والشعير، ينبذ حتى يشتد، قال‏:‏ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلّم قد أعطي جوامع الكلم بخواتمه، فقال‏:‏ «أنهى عن كل مسكر، أسكر عن الصلاة»‏.‏ وقيل‏:‏ إن المراد بالاشتداد الحموضة‏.‏

وأقول‏:‏ أيُّ فائدة في الإِهراق في هذه الصورة‏؟‏ فإنَّ دفعَ الحموضة ممكن بالماء أيضاً، والماء المختلط بالنبيذ يكون أصلح من الماء القَرَاح، فأيُّ نفع في الإِهراق‏؟‏‏.‏

ولأبي حنيفة آثار عن عمر في «موطأ مالك»‏:‏ مالك عن داود بن الحُصين، عن واقد بن عمر ابن سعد بن معاذ‏:‏ أنه أخبره عن محمود بن لبيد الأنصاري‏:‏ أنَّ عمر بن الخطاب حين قَدِم الشام، فشكى إليه أهلُ الشام وباءَ الأرض، وثقلها، وقالوا‏:‏ لا يُصلحنا إلا هذا الشراب، فقال عمر‏:‏ «اشربوا العسل»، فقالوا‏:‏ لا يُصلحنا العسل، فقال رجل من أهل الأرض‏:‏ هل لك أن تجعلَ لنا من هذا الشراب شيئاً لا يُسكر‏؟‏ قال‏:‏ «نعم»، فطبخوا حتى ذهب منه الثلثان، وبقي الثلث، فأتوا به عمر، فأدخل عمر فيه إصبعه، ثم رفع يده، فتبعها يتمطط، فقال‏:‏ «هذا الطِّلاء، هذا مثل طلاء الإِبل»، فأمرهم عمر أن يشربوه، فقال له عُبادة بن الصامت‏:‏ «أحللتها والله»، فقال عمر‏:‏ «كلا والله، اللهم إني لا أحلُّ لهم شيئاً حرمتَه عليهم، ولا أحرِّمُ عليهم شيئاً أحللته لهم»‏.‏

وله أيضاً ما في الطحاوي أثر عمر الفاروق عن فهد، قال‏:‏ حدثنا عمر بن حفص، قال‏:‏ حدثنا أبي، قال‏:‏ حدثنا الأعمش، قال‏:‏ حَدَّثني إبراهيم، عن همام بن الحارث، عن عمر‏:‏ أنه كان في سفر، فأتي بنبيذ، فشرب منه، فقطَّب، ثم قال‏:‏ «إن نبيذ الطائف له غرام»، فذكر شِدةً لا أحفظها، ثم دعا بماء فصب عليه، ثم شرب، بسند صحيح‏.‏ وفي الطحاوي لفظ‏:‏ «وله غرام»- بالغين المعجمة- وهو غَلَطٌ‏.‏ والصحيح- بالعين المهملة- كما قال النحاس في كتاب «الناسخ والمنسوخ» تلميذ الطحاوي، وهو الذي أجاب عن أدلتنا جميعها من جانب الجمهور‏.‏

وقال الحافظ‏:‏ إن هذا أصح الآثار، وفيه‏:‏ حدثنا رَوْح بن الفرج، قال‏:‏ حدثنا عمرو بن خالد، قال‏:‏ حدثنا زهير، قال‏:‏ حدثنا أبو إسحاق عن عمر، وابن ميمون مثله، وزاد، قال عمر‏:‏ وكان يقول‏:‏ «إنا نشرب من هذا النبيذ شراباً يقطع لحوم الإِبل في بطونها، من أن يؤذينا»، قال‏:‏ «وشربت من نبيذه، فكان أشدَّ النبيذ»، وفيه‏:‏ حدثنا ابن أبي داود، قال‏:‏ حدثنا أبو صالح، قال‏:‏ حدثني الليث، قال‏:‏ حدثنا عقيل عن ابن شهاب، أنه قال‏:‏ أخبرني معاذ بن عبد الرحمن بن عثمان الليثي أن أباه عبد الرحمن بن عثمان‏.‏ قال‏:‏ صحبت عمر بن الخطاب إلى مكة، فأَهدَى له ركب من ثقيف سطيحتين من نبيذ،- والسطيحة‏:‏ فوق الإِدَاوة، ودون المَزَادة- قال عبد الرحمن‏:‏ فشرب عمر إحداهما، ولم يشرب الأخرى حتى اشتد ما فيه، فذهب عمر، فشرب منه، فوجده قد اشتد، فقال‏:‏ «اكسروه بالماء»؛ وأسانيد الكل صحاح، وفي سند الثالث معاذ بن عبد الرحمن بن عثمان الليثي، وهو سهو من الكاتب، والصحيح‏:‏ التيمي، وله آثار أخر في «كتاب الآثار» لمحمد بن الحسن قوية السند‏.‏

وأجاب عنه الجمهور، وبعض الأجوبة نافذ لا البعض الآخر، وأجاب الحافظ عما أخرجه أبو داود في «الفتح» بأن الاشتداد لم يكن واقعاً، بل كان خوف الاشتداد، ولقوله‏:‏ «نفاذ»، سيما إذا كان في الدارقطني عن أبي هريرة، لفظ‏:‏ «خشية الاشتداد»، وأما جواب أثر «الموطأ» نقول‏:‏ إن ذكر الإِسكار ليس فيه، فالجواب أنَّ مراد عُبادة، أن نبيذ التمر، أو العنب لا يكون دائمَ البقاء، إلا أن يصير خمراً، أو خلا، وإذا طبخ، فيصير دائمَ البقاء، فإما يصير خلاً، وهو حلال، أو خمراً فيكون حراماً، والناس يشربونه على إفتائك، ويكون حلواً‏.‏

فالحاصل أنه يصير مسكراً بعد مدة يسيرة، فيشربه الناس، ويزعمون أنه حلوٌ، ويُسكرهم هذا، فهذا الأثَرَ لم يتعرض إليه الحافظ، لكنه تعرَّض إلى آثار الطحاوي، والجواب بأن المراد من الشِّدة الحموضة فبيعدٌ، وأما قول‏:‏ إن الشدةَ شدة الحلاوة، فخلاف ما يُستعمل الاشتداد في المسكرات‏.‏

فالحاصل أن الحافظَ لم يتيسر له الجوابُ من آثار الطحاوي، وأقول‏:‏ إن الباب باب النصوص من القرآن، والأحاديث، وضرويات الدين، فلا بد من محامل تلك الآثار، ولكنها تكفي للاعتذار من جانب أبي حنيفة، وما في النسائي عن راو أن نبيذَ عمر كان صار خلاً، فإنَّما هو رأيُه‏.‏

وأقول‏:‏ إن عصير العنب، والتمر لو كان مُزَّاً وقَارِصاً، فلا منع فيه، والله أعلم، ولا يمكن قول الحافظ في المرفوع، محملاً لآثار الطحاوي عن عمر، فإنَّ في الألفاظ تصريحاً أنه صار مشتداً، لا أنه قرُب إلى الاشتداد، ولأبي حنيفة أثر آخر أيضاً، وهو أن رجلاً شرب النبيذ من نِحية‏.‏ الفاروق الأعظم، وأسكر، فحُدَّ، فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين إني شربت من شنتك، فقال عمر‏:‏ «حددتك من الإِسكار»‏.‏

أخبرنا عبد الرزاق حدثنا ابن جريج، قال‏:‏ أخبرني إسماعيل أنَّ رجلاً عبَّ في شراب لعمر بن الخطاب رضي الله عنه بطريق المدينة، فسكِرَ، فتركه عمر حتى أفاق، فحدَّه، ثم أوجعه عمر بالماء، فشرب منه، قالَ‏:‏ ونبذ نافع بن الحارث لعمر بن الخطاب في المزاد، وهو عامل له على مكة، فاستأخر عمر حتى عَدَا الشرابُ طورَه، فدعا، فوجده شدييداً، فصنعه في الجِفان، فأوجعه بالماء، ثم شرب، وسقى الناس‏.‏

وأعلى الأشياء لأبي حنيفة ما أخرجه الطحاوي مرفوعاً‏:‏ حدثنا علي بن معبد، قال‏:‏ حدثنا يونس، قال‏:‏ حدثنا شريك عن أبي إسحاق عن أبي بردة ابن أبي موسى عن أبيه، قالَ‏:‏ «بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلّم أنا، ومعاذاً إلى اليمن، فقلنا‏:‏ يا رسول الله إن بها شرايين يصنعان من البر، والشعير‏:‏ أحدهما يقال له‏:‏ المِزر، والآخر يقال له‏:‏ البِتع، فما نشرب‏؟‏» فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم «اشربا، والا تسكرا»، ويمكن أن يقال‏:‏ إن المراد «باشربا» الأنبذة لا الماء، أو اللبن، أو غيرهما، لكن في الطحاوي، والنسائي «ولا تسكرا» فلا حجة لنا‏.‏ وقال النسائي‏:‏ إن لفظ‏:‏ «ولا تسكرا» وَهَم الراوي، والفرق بين‏:‏ «لا تسكرا»، ولا تشربا مسكراً‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، واضحٌ، ولكن ما حكم به النسائي بأنه وهم الراوي غير متيقن‏.‏

وأطنب الطحاوي في المسألة، ما لا يوجد في غيره، ورأيت في كتاب أن النسائي كان رُمي بشرب النبيذ على مذهب العراقيين، ولعله أطنب الكلام لهذا الاتهام، ولم أجد الشفاء فيما ذكر أهل كتبنا، لكن في «العقد الفريد» شيءٌ زائدٌ على ما في كتبنا، فإِنَّه نقل توسيعاً في النبيذ عن السلف الكبار، وإني لم أجد رواية عن الشيخين موافقة لمحمد، ولو وجدت لقطعت بها، وإن كانت شاذة، ولكني لم أجد مع التتبع الكثير، وأما ما وقع في نظم ابن وهبان، فزعمَه بعض العلماء أنه مرويٌ عن الشيخين موافق محمد، والحال أنه ليس مراده ما زعموه، بل مراده أن وقوعَ الطلاق مروى عن الثلاثة، لا حكم النهي على القدر القليل من الأشربة، فادره، فإنه زل فيه الأقدام، ومن نظم ابن وهبان قوله‏:‏

ويمنع عن بيع الدخان، وأوقعوا *** طلاقاً لمن من مسكر المحب يسكر،

وعن كلهم يروى، وأفتى محمد *** بتحريم ما قد قل، وهو المحرر

وزعموه أن المروى عن الكل تحريم ما قد قل، والحال أنَّ المروىَ هو وقوع الطلاق‏.‏

واقعة‏:‏

في «شرح الهداية» أن أبا حفص الكبير أفتى بحرمة النبيذ، فقيل له‏:‏ خالفت أبا حنيفة، فقال‏:‏ ما خالفته، فإنَّه يحرمُ إذا كان للتلهي، وأهل الزمان يشربونه على التلهي‏.‏

واعلم أنّ ما ذكرتُ من حجج الحنفية أكثر مما ذكره مصنفونا، ومع ذلك أعترفُ أنَّ العمل ينبغي بما قال الجمهور، ومحمد بن الحسن، وأعلى ما وجدت عن أبي حنيفة، وأبي يوسف ما في شروح «الهداية» قال أبو حنيفة‏:‏ لو أعطيت جميع ما في الدنيا، ومثلها لأشرب قطرة نبيذ، فلا أشربه، فإنَّه مختلفٌ فيه، ولو أعطيت جميع ما في الدنيا لأحرم النبيذ، لا أحرمه، لأنه مختلف فيه‏.‏ هذا أعلى ما في الباب، وأعلى ما يشفي الصدور، وعن أبي يوسف ما رواه أبو جعفر النَّحاس في كتاب «الناسخ والمنسوخ» قال أبو يوسف‏:‏ وفي نفسي من هذه الفُتيا، كأمثال الجبال، ولكن عادة البلد،- أي الكوفة- هذا، والله أعلم، وعلمه أتم‏.‏

وراجع «المبسوط» من- الرابع والعشرين ، قوله‏:‏ «كل مسكر حرام»‏.‏ قال صاحب «الهداية»‏:‏ إن ابن مَعِين قدحَ في هذه الجُملة‏.‏ قال الزيلعي‏:‏ لم أجد قدحَ ابن مَعِين، ومر عليه الحافظ، وقال‏:‏ إن الحافظ جمال الدين الزَّيْلعي أكثرُهم تتبُّعاً، وهو يعترف بأنه لم يجد قدحَ ابن معين‏.‏ وأقول أنا أيضاً‏:‏ لم أجد قدحَ ابن معين، نعم، قدحُ إبراهيم النَّخَعي موجود في «كتاب الآثار» لمحمد بن الحسن، إلا أني رأيت في «مسند الخوارزمي»، وله مهارةٌ كاملة، واطلاع تام، وفيه نقل قدحَ يحيى بن مَعِين، لكنه لم يذكر مأخذه ولو ذكره لكان أولى وأفيد‏.‏ انتهى مع تغيير في العبارة، وتخريج للأحاديث‏.‏

واعلم أن مسألة المسكرات عسيرة جداً من حيث تواترَ الأحاديث في جانب الجمهور، فليس لنا للتأويله مساغٌ إلا بنوع من التَّمحل، ولذا أعرض عنها الشيخ، وقد كان نبهنا في درس الترمذي على أنه تعرض إليها الفاضل شهاب الدين أحمد، المعروف بابن عبد ربه الأندلسي في كتابه «العقد الفريد» فلم يتفق لنا المراجعة إليه، حتى حان تسويد هذه الأوراق، وحينئذ أردنا أن نأتيك بملخص منه، فإنَّه قد أطال فيه الكلام، ونتحفك منه بقدر ما يتعلق بموضوعنا إن شاء الله تعالى‏.‏

الفرق بين الخمر والنَّبيذ

أولُ ذلك أن تحريم الخمر مجمعٌ عليه، لا اختلاف فيه بين اثنين من الأئمة والعلماء، وتحريمُ النبيذ مختفٌ فيه بين الأكابر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلّم والتابعين، حتى لقد اضطر محمد بن سيرينَ- مع علمه، وورعه- أن يسأل عبيدة السلماني عن النبيذ، فقال له عبيدة،- ممن أدرك أبا بكر، وعمر ‏:‏ فما ظنك بشيءٍ اختلف فيه الناس، وأصحاب النبيِّ عليه الصلاة والسلام متوافرون، فمن بين مطلِقٍ له، ومحظِّرٍ عليه، وكل واحدٍ منهم مقيم الحججَ لمذهبه، والشواهد على قوله‏؟‏، والنبيذ‏:‏ كل ما ينبذ في الدُّباء، والمُزَفَّت، فاشتد حتى يُسكر كثيره، وما لم يشتد فلا يُسمَّى نبيذاً، كما أنه ما لم يُعمل من عصيرِ العنب حتى يشتدَ، لا يسمى خمراً، كما قال الشاعر‏:‏

نبيذ، إذا مرّ الذباب بدنّه *** تعطر، لو خر الذباب وقيدا

وقيل لسفيان الثوري، وقد دعا بنبيذ، فشرب منه، ووضَعَه بين يديه‏:‏ يا أبا عبد الله اخشى الذباب أن تقعَ في النبيذ، قال‏:‏ قبَّحَه الله إن لم يذبَّ عن نفسه‏.‏ وقال حفص بن غياث‏:‏ كنت عند الأعمش، وبين يديه نبيذٌ، فاستأذن عليه قوم من طلبةِ الحديث، فسترتُه، فقال لي‏:‏ لم سترتُه‏؟‏ فكرهت أن أقول‏:‏ لئلا يراه من يدخل، فقلت‏:‏ كرهتُ أن يقعَ فيه الذباب، فقال لي‏:‏ هيهات، إنه أمنعُ من ذلك جانباً، ولو كان النبيذ هو الخمر التي حرمها الله في كتابه، ما اختلف في تحريمه اثنان من الأمة‏.‏

حدث محمد بن وضاح، قال‏:‏ سألت حسنوناً، فقلت‏:‏ ما تقول فيمن حلف بطلاق زوجته‏:‏ إن المطبوخَ من عصيرِ العنب هو الخمر التي حرمها الله في كتابه‏؟‏ قال‏:‏ بانت زوجته منه‏.‏

وذكر ابن قُتيبة في «كتاب الأَشربة» أن الله تعالى حرم علينا الخمرَ بالكتاب، والمسكرَ بالسنة، فكان فيه فُسحة، فما كان محرماً بالكتاب، فلا يحلُّ منه، لا قليل، ولا كثير، وما كان محرماً بالسنة، فإنَّ فيه فُسحة، أو بعضه، كالقليل من الديباج، والحرير يكون في الثوب‏.‏ والحرير محرمٌ بالسنة، وكالتفريط في صلاة الوتر، وركعتي الفجر، وهما سُنة، فلا نقول‏:‏ إن تاركَها كتاركِ الفرائض من الظهر والعصر‏.‏

وقد استأذن عبد الرحمن بن عَوف رسول الله صلى الله عليه وسلّم في لباسِ الحريرِ لبلية كانت به، وأذن لعرفجة بن سعد- وكان أصيبَ أنفه يوم الكلاب- باتخاذ أنفٍ من الذهب‏.‏ وقد جعلَ الله فيما أحل عِوَضاً مما حرَّم، فحرم الربا، وأحل البيع، وحرم السِّفاح، وأحل النكاح، وحرم الديباج وأحل الوشى، وحرم الخمر، وأحل النبيذ غير المسكر‏.‏ والمسكر منه ما أسكرك‏.‏

مناقضة ابن قتيبة في قوله في الأشربة

قال في- كتابه- فإنْ قال قائلٌ‏:‏ إن المنكرَ هي الأشربة المسكرة، أكذَبَه النظر، لأن القَدَحَ الأخير إنما أسكر بالأول، وكذلك اللقمة الأخيرة، إنما أشبعت بالأولى‏.‏ ومن قال‏:‏ السكر حرام، قال‏:‏ فإنَّما ذلك مجاز من القول، وإنما يريدُ ما يكون منه السكر حرام، وكذلك التُّخَمة حرام‏.‏ وهذا الشاهد الذي استشهد في تحريمه، قليلٌ ما أسكرَ كثيره، وتشبيه ذلك بالتخمة شاهد عليه لا شاهد له‏.‏ لأن الناس مجمعونَ على أن قليلَ الطعام الذي تكون منه التُّخَمة حلال، وأن التخمة حرام، وكذلك ينبغي أنْ يكون قليلُ النبيذ الذي يسكر كثيره حلالاً، وكثيره حراماً، وأن الشُّربة الأخيرة المسكرة هي المحرَّمة‏.‏

ومثل الأربعة أقدام، التي يُسكر منها القَدَح الرابع‏.‏ مثل أربعة رجال اجتمعوا على رجل، فشجه أحدهم مُوْضِحةً، ثم شجه الثاني منقِّلة، ثم شجه الثالث مأمُومة، ثم أقبل الرابع فأجهز عليه، فلا نقول‏:‏ إن الأول هو قاتله، ولا الثاني، ولا الثالث، وإنما قتله الرابع الذي أجهز عليه، وعليه القود‏.‏

وذكر ابن قتيبة في كتابه بعد أن ذكر اختلافَ الناس في النبيذ، وما أدلى به كل قومٍ من الحجة، فقال‏:‏ وأعدلُ القولِ عندي أنَّ تحريمَ الخمر بالكتاب، وتحريمَ النبيذ بالسنة، وكراهية ما تغير، وخدر من الأشربة تأديبٌ‏.‏ ثم زعم في هذا الكتاب بعينه أن الخمرَ نوعان‏:‏ فنوع منهما أجمع على تحريمه، وهو خمر العنب من غير أنْ تمسَّه نارٌ، لا يحل منه لا قليل، ولا كثير، ونوع آخر مختلفٌ فيه، وهو نبيذُ الزبيب إذا اشتد، ونبيذ التمر إذا صلب، ولا يسمى سَكَرَاً إلا نبيذ التمر خاصة‏.‏

وقال بعض الناس‏:‏ نبيذ التمر حِلٌّ، وليس بخمرٍ، واحتجوا بقول عمر‏:‏ فما انتزع بالماء فهو حلال، وما انتزع بغير الماء، فهو حرام‏.‏ قال ابن قُتيبة‏:‏ وقال آخرون‏:‏ هو خمرٌ، حرام كله، وهذا هو القول عندي، لأن تحريمَ الخمر نزل، وجمهور الناس مختلفة، وكلها يقعُ عليها هذا الاسم في ذلك الوقت‏.‏ وذكر أن أبا موسى قال‏:‏ خمر المدينة من البُسْر والتمر، وخمر أهل فارس العنب، وخمر أهل اليمن من البِتْع‏:‏ وهو نبيذ العسل، وخمر الحبشة السكركة، وهي من الذرة، وخمر التمر يقال لها‏:‏ البِتْع، والفَضيخ؛ وذكروا أن عمر قال‏:‏ «الخمر من خمسة أشياء‏:‏ من البرُّ، والشعيرُ، والتمر، والزبيبُ، والعسل، والخمر ما خامر العقل»؛ ولأهل اليمن أيضاً شراب من الشعير يقال له‏:‏ المِزْر، ويزعم ههنا ابن قُتيبة أن هذه الأشربة كلها خمر، وقال‏:‏ هذا هو القول عندي‏.‏

وقد تقدم له في صدر الكتاب أن النبيذَ لا يُسمى نبيذاً حتى يشتد، وسكر كثيره، كما أنَّ عصيرَ العنب لا يُسمى خمراً، حتى يشتد، وأن صدر هذه الأمة، والأئمة في الدين لم يختلفوا في شيءٍ كاختلافهم في النبيذ وكيفيته، ثم قال فيما حكم بين الفريقين‏:‏ أما الذين ذهبوا إلى تحرمه كله، ولم يفرقوا بين الخمر، وبين نبيذ التمر، وبين ما طبخ، وبين ما أُنقع، فإنَّهم غَلَوا في القول جداً، ونَحَلُوا قوماً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم البدريين، وقوماً من خيار التابعين، وأئمة من السلف المتقدمين، شربُ الخمر، وزينوا ذلك بأن قالوا‏:‏ شربوها على التأويل، وغلطوا في ذلك، فاتهموا القومَ، ولم يتهموا نظرهم، ونحلوهم الخطأ، وبرَّءوا أنفسَهم منه‏.‏

فعجبتُ منه، كيف يَعِيبُ هذا المذهب، ثم يتقلده، ويطعنُ على قائله، ثم يقول به‏.‏ إلا أني نظرتُ إلى كتابه، فرأيته قد طال جداً، فأحسبه أُنسي في آخره، ما ذهب إليه في أوله، والقول الأول من قوله، هو المذهب الصحيح، الذي تأنس إليه القلوب، وتقبله العقول، لا قوله الآخر الذي غلط فيه- «العقد الفريد»‏.‏

ومن احتجاج المحلين للنبيذ

ما رواه مالك بن أنس في «موطئه» من حديث أبي سعيد الخُدري أنه قدمَ من سفر، فقُدِّم إليه لحم من لحوم الأضاحي، فقال‏:‏ «ألم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلّم نهاكم عن هذا بعد ثلاثة أيام‏؟‏» فقالوا‏:‏ «قد كان بعدك من رسول الله صلى الله عليه وسلّم فيها أمر»، فخرج إلى الناس فسألهم، فأخبروه أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال‏:‏ «كنت نهيتُكم عن لحوم الأضاحي بعد ثلاثة أيام، فكلوا وادَّخِروا، وتصدَّقوا، وكنت نهيتكم عن الانتباذ في الدُّباء، والمُزَفَّت، فانتبذوا، وكل مسكر حرام، وكنت نهيتُكم عن زيارة القبور، فزوروها، ولا تقولوا هجراً»، والحديثان صحيحان، رواهما مالك بن أنس، وأثبتهما في «موطئه» وإنما هو ناسخ ومنسوخ‏.‏

وإنما كان نهيه أن ينتبذوا في الدُّباء والمُزَفَّت، نهياً عن النبيذَ الشديد، لأن الأشربة فيهما تشتد، ولا معنى للدباء، والمزفت غير هذا «وقوله بعد هذا‏:‏ «كنت نهيتكم عن الانتباذ، فانتبذوا، وكل مسكر حرام» إباحة لما كان حَظَّر عليه من النبيذ الشديد، وقوله صلى الله عليه وسلّم «كل مسكر حرام» ينهاكم بذلك أن تشربوا حتى تسكروا، وإنما المُسكر ما أسكرك، ولا يُسمَّى القليلُ الذي لا يُسكرُ مسكراً، ولو كان ما يُسكر كثيره يسمى قليله مسكراً، ما أباح لنا منه شيئاً‏.‏

والدليل على ذلك أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم شربَ من سِقاية العباس، فوجده شديداً، فقطَّب بين حاجبيه، ثم دعا بذنوب من ماء زمزم، فصب عليه، ثم قال‏:‏ «إذا اغتلمت أشربتكم، فأكسروها بالماء» ولو كان حراماً لأراقه، ولما صب عليه ماءً، ثم شربه‏.‏ وقالوا في قول رسول الله صلى الله عليه وسلّم «كل خمر مسكر، هو ما أسكر الفَرْقُ منه، فملء الكف حرام»‏:‏ هذا كله منسوخٌ، نَسَخَه شربه للصُّلب يوم حجة الوداع‏.‏

قالوا‏:‏ ومن الدليل على ذلك أنه كان ينهى وفدَ عبد القيس عن شرب المُسكر، فوفدوا إليه بعد، فرآهم مصفرةً ألوانهم، سيئةً حالهم، فسألهم عن قِصتهم، فأعلموه أنه كان لهم شرابٌ فيه قِوَام أبدانهم، فمنعهم من ذلك، فأذن لهم في شُربه‏.‏ وأن ابن مسعود قال‏:‏ «شهدنا التحريم، وشهدتم، وشهدنا التحليل، وغتبتم»، وأنه كان يشربُ الصُّلب من نبيذ التمر، حتى كثرت الروايات به عنه، واشتهرت، وأذيعت، واتبعه عامة التابعين من الكوفيين، وجعلوه أعظم حججهم، وقال في ذلك شاعرهم‏:‏

مَنْ ذا يُحرِّم ماءَ المُزْن خالطَة *** في جوفِ خابية، ماء العناقيد

إني لأهْرَه تشديدَ الرواةِ لنا *** فيه، ويعجبني قولَ ابن مسعود

وإنما أراد أنهم كانوا يعمدون إلى الرُّبِّ الذي ذهب ثلثاه، وبقي ثلثه، فيزيدون عليه من الماء قدر ما ذهب منه، ثم يتركونه حتى يغلي، ويسكن جأشه، ثم يشربونه، وكان عمر يشرب على طعامه الصُّلب، ويقول‏:‏ «يقطع هذا اللحم في بطوننا»؛ واحتجوا بحديث زيد بن أخرم عن أبي داود، عن شعبة، عن مِسْعَر بن كَدَام، عن ابن عون الثقفي، عن عبد الله بن شداد، عن ابن عباس أنه قال‏:‏ «حُرِّمت الخمرُ بعينها، والمسكر من كل شراب»، وبحديث رواه عبد الرحمن بن سليمان، عن يزيد بن أبي زياد، عن عكرمة، عن ابن عباس‏:‏ «أن النبي صلى الله عليه وسلّم طاف، وهو شاكٍ على بعيرٍ، ومعه مِحْجَن، فلما مر بالحجر استلمه بالمحجن، حتى إذا انقضى طوافه، نزل فصلى ركعتين ثم أتى السقاية»، فقال‏:‏ «أسقوني من هذا»، فقال له العباس‏:‏ «ألا نسقيك مما يصنع في البيوت‏؟‏» قال‏:‏ «ولكن أسقوني مما يشرب الناس»، فأتي بقَدَح من نبيذ، فذاقه، فقطَّب، وقال‏:‏ «هلموا، فصبوا فيه الماء»، ثم قال‏:‏ «زد فيه مرة، أو مرتين، أو ثلاثاً»، ثم قال‏:‏ «إذا صنع أحد منكم هكذا، فانصعوا به هكذا»‏.‏

والحديث رواه يحيى بن اليمان، عن الثوري، عن منصور بن خالد، عن سعيد عن أبي مسعود الأنصاري، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم عطش، وهو يطوف بالبيت، فأتي بنبيذ من السِّقاية، فشمَّه، فقطَّب، ثم دعا بِذَنُوب من ماء زمزم، فصب عليه، ثم شربه، فقال له رجل‏:‏ «أحرام هذا يا رسول الله‏؟‏» فقال‏:‏ «لا»، وقال الشَّعبي‏:‏ شربَ أعرابيٌّ من إِذَاوة عمر، فأغشى، فحدَّه عمر، وإنما حده للسَّكر لا للشرب‏.‏

ودخل عمر بن الخطاب رضي الله عنه على قوم يشربونَ، ويوقدون في الأخصاص، فقال‏:‏ «نهيتكم عن معاقرَة الشراب، فعاقرتم، وعن الإِيقاد في الأخصاص، فأوقدتم»، وهم بتأديبهم، فقالوا‏:‏ «يا أمير المؤمنين، نَهاك الله عن التجسس، فتجسَّست، ونهاك عن الدخول بغير إذن فدخلت، فقال‏:‏ «هاتان بهاتين»، وانصرف، وهو يقول‏:‏ «كل الناس أفقه منك يا عمر»‏.‏ وإنما نهاهم عن المُعَاقرة، وإدمان الشراب حتى يَسكروا، ولم ينههم عن الشَراب‏.‏ وأصل المعاقرة مِن عقر الحوض، وهو مقام الشاربة‏.‏ ولو كان عنده ما شربُوا حراماً، لحدَّهم؛ وبلغه عن عامل له بميسان، أنه قال‏:‏

ألا أبلغ الحسناء أن حليلها *** بميسان يسقى في زجاج، وحنتم

إذا شئت غنتنى دهاقين قرية، *** وصناجة تشدو على كل ميسم

فإن كنت ندمانى، فبالأكبر اسقني، *** ولا تسقني بالأصغر المتثلم

لعل أمير المؤمنين يسوءه، *** تنادمنا في الجوسق المتهدم

فقال‏:‏ أي والله، أنه ليسوءُني ذلك، فَعَزَله، وقال‏:‏ «والله لا عمل لي عملا أبداً»، وإنما أنكر عليه المُدَام، وشربه بالكبير، والصنج، والرقص، وشغله باللهو، عما فوض إليه من أمور الرعية، ولو كان ما شرب عنده خمراً لحدَّه‏.‏

محمد بن وضاح، عن سعيد بن نصر، عن يسار عن جعفر، قال‏:‏ سمعت مالك بن دينار، وسئل عن النبيذ أحرام هو‏؟‏ فقال‏:‏ أنظر ثمنَ التمرِ من أين هو، ولا تسأل عن النبيذ أحلالٌ هو، أم حرام وعوتب سعيد بن زيد في النبيذ، فقال‏:‏ أما أنا فلا أدعه حتى يكونَ شر عملي‏.‏ وقيل لمحمد بن واسع‏:‏ أتشربُ النبيذ‏؟‏ فقال‏:‏ نعم، فقيل‏:‏ وكيف تشربه‏؟‏ فقال‏:‏ عند غدائي، وعشائي، وعند ظمئي، قيل‏:‏ فما تركت منه‏؟‏ قال‏:‏ النكاة، ومحادثة الإِخوان‏.‏ وقال المأمون‏:‏ اشرب النبيذ ما استبشعته، فإذا سُهل عليك، فدعه‏.‏ وإنما أراد به أنه يَسهُلُ على شاربه إذا أخذَ في الإِسكار‏.‏

وقيل لسعيد بن أسلم‏:‏ أتشرب النبيذ‏؟‏ فقال‏:‏ لا، قيل‏:‏ ولم‏؟‏ قال‏:‏ تركت كثيره ، وقليله للناس‏.‏ وكان سفيان الثوري يشرب النبيذَ الصُّلب الذي تحمرُّ منه وجنَتَاه؛ واحتجوا من جهةِ النَّظر أنَّ الأشياءَ كلها حلال، إلا ما حرَّم الله‏.‏ قالوا‏:‏ فلا نُزيلُ نفس الجلال بالاختلاف، ولو كان المحلِّلون فِرقة من الناس، فكيف وهم أكثر الفِرق؛ وأهل الكوفة أجمعوا على التحليل، لا يختلفون فيه، وتلوا قول الله عز وجل‏:‏ ‏{‏قل أرأيتم ما أنزل ا لكم من رزق فجعلتم منه حراماً وحلالاً قل آلله أذن لكم أم على ا تفترون‏}‏‏.‏

حدث إسحاق بن رَاهُويهَ

قال‏:‏ سمعت وكيعاً، يقول‏:‏ النبيذ أحلُّ من الماء، وعابه بعض الناس في ذلك، وقالوا‏:‏ كيف يكون أحلَّ من الماء، وهو وإن كان حلالاً، فهو بمنزلة الماء‏.‏ وليس على وكيع في هذا الموضِعِ عيبٌ، ولا يرجِعُ عليه فيه كذبٌ، لأن كلمتَه خرجت مخرج كلامِ العربِ في مبالغتهم، كما يقولون‏:‏ هو أشهرَ من الصبح، وأسرع من البرق، وأبعد من النجم، وأحلى من العسل، وأحر من النار‏.‏

ولم يكن أحدٌ من الكوفيين يحرِّمُ النبيذ غير عبد الله بن إدريس، وكان بذلك معيباً؛ وقيل لابن إدريس‏:‏ مَنْ خيارُ أهل الكوفة‏؟‏ فقال‏:‏ هؤلاء الذين يشربون النبيذَ، قيل‏:‏ وكيف وهم يشربون ما يحرُم عندك، قال‏:‏ ذلك مبلَغُهم من العلم‏.‏

وكان ابن المبارك يكره شرب النبيذِ، ويخالِفُ فيه رأيَ المشايخ، وأهل البصرة‏.‏ قال أبو بكر بن عياش‏:‏ من أين جئت بهذا القول في كراهيتكَ النبيذَ، ومخالفتك أهل بلدك‏؟‏ قال‏:‏ هو شيءٌ اخترته لنفسي، قلتُ‏:‏ فتُعيبُ من شَرِبه‏؟‏ قال‏:‏ لا، قلت‏:‏ أنت، وما اخترت‏.‏ وكان عبد الله بن داود يقول‏:‏ ما هو عندي، وماء الفرات إلا سواء؛ وكان يقول‏:‏ أكره إدارة القَدَح، وأكره نقيع الزيبيب، وأكره المُعتَّقَ، قال‏:‏ ومن أدار القَدَح لم يجز شهادته‏.‏ وشهد رجل عند سوار القاضي، فردَّ شهادَتَه، لأنه كان يشربُ النبيذ، فقال‏:‏

أما الشرابُ، فإني غيرُ تارِكه، *** ولا شهادةَ لي، ما عَاش سوار

حدث شبابة قال‏:‏ حدثني غسان بن أبي صباح الكوفي، عن أبي سلمة يحيى بن دينار، عن أبي المظهر الوراق، قال‏:‏ بينما زيد بن علي في بعض أزِقَّة الكوفة، إذ مر به رجل من الشيعة، فدعاه إلى منزله، وأحضر طعاماً، فتسامعت به الشيعة، فدخلوا عليه حتى غصَّ المجلس بهم، فأكلوا معه، ثم استسقى، فقيل له‏:‏ أيُّ الشراب نسقيك يا ابن رسول الله‏؟‏ قال‏:‏ أصلُبه وأشدُّه، فأتوه بعتيق من نبيذ، فشرب، وأدار العس عليهم، فشربوا، ثم قالوا‏:‏ يا ابن رسول الله لو حدثتنا في هذا النبيذ بحديث رويته عن أبيك عن جدك، فإنَّ العلماءَ يختلفون فيه، قال‏:‏ «نعم، حدثني أبي عن جدي أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم قال‏:‏ لتركبنَّ طبقة بني إسرائيل حذو القذة بالقذة، والنعل بالنعل، ألا وإن الله ابتلى بني إسرائيل بنهر طالوت، أحل منه الغَرْفة، والغرفتين، وحرم منه الرَّي، وقد ابتلاكم بهذا النبيذ، أحل منه القليل، وحرم منه الكثير»، وكان أهل الكوفة يسمون النبيذ نهر طالوت؛ وقال فيه شاعرهم‏:‏

أشرب على طرب من نهر طالوت *** حمراء صافية في لون ياقوت

من كف ساحرة العينين شاطرة *** تربى على سحر هارون ومارت

لها تماوت ألحاظ إذا نظرت *** فنار قلبك من تلك التماويت

باب‏:‏ الشُّرْبِ قائِما

باب‏:‏ مَنْ شَرِبَ وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى بَعِيرِه

باب‏:‏ اْلأَيمَنَ فَاْلأَيمَنَ في الشُّرْب

باب‏:‏ هَل يَسْتَأْذِنُ الرَّجُلُ مَنْ عَنْ يَمِينِهِ في الشُّرْبِ لِيُعْطِيَ اْلأَكْبَر

باب‏:‏ الكَرْعِ في الحَوْض

باب‏:‏ خِدْمَةِ الصِّغَارِ الكِبَار

باب‏:‏ تَغْطِيَةِ اْلإِنَاء

باب‏:‏ اخْتِنَاثِ اْلأَسْقِيَة

باب‏:‏ الشُّرْبِ مِنْ فَمِ السِّقَاء

باب‏:‏ التَّنَفُّسِ في اْلإِنَاء

باب‏:‏ الشُّرْبِ بِنَفَسَينِ أَوْ ثَلاَثَة

باب‏:‏ الشُّرْبِ في آنِيَةِ الذَّهَب

باب‏:‏ آنِيَةِ الفِضَّة

باب‏:‏ الشُّرْبِ في اْلأَقْدَاح

باب‏:‏ الشُّرْبِ مِنْ قَدَحِ النبي صلى الله عليه وسلّم وَآنِيَتِه

وَقالَ أَبُو بُرْدَةَ‏:‏ قالَ لِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ سَلاَمٍ‏:‏ أَلاَ أَسْقِيكَ في قَدَحٍ شَرِبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم فيهِ‏.‏

باب‏:‏ شُرْبِ البَرَكَةِ وَالمَاءِ المُبَارَك

وهو من الآداب فقط، وأظنُّ أنْ لا يزيدَ على الكراهةِ التنزيهية‏.‏

5616- قوله‏:‏ ‏(‏عن علي بن أبي طالب أنه صلى الظهر‏)‏ وهذه الرواية عند الطحاوي أيضاً، وفيها أنه مسح على الرجلين‏.‏ قلت‏:‏ وهذا في الوضوء على الوضوء‏.‏

5634- قوله‏:‏ ‏(‏إنما يجرجر‏)‏ كهونت كهونت دالنا‏.‏

5638- قوله‏:‏ ‏(‏عريض من نضار‏)‏ والنضار خشب جيد‏.‏

كتاب‏:‏ المَرْضَى والطِّب

باب‏:‏ ما جاءَ في كَفَّارَةِ المَرَض

وَقَوْلِ اللّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏مَنْ يَعْمَل سُوءاً يُجْزَ بِهِ‏}‏ ‏(‏النساء‏:‏ 123‏)‏‏.‏

باب‏:‏ شِدَّةِ المَرَض

باب‏:‏ أَشَدُّ النَّاسِ بَلاَءً اْلأَنْبِيَاءُ ثُمَّ اْلأَوَّلُ فَاْلأَوَّل

باب‏:‏ وُجُوبِ عِيَادَةِ المَرِيض

باب‏:‏ عِيَادَةِ المُغْمى عَلَيه

نقل عن الشافعي في «المسامرة»‏:‏ أنَّ الصبر ليس بشرط في كون المصائب كفارات، نعم، إن صبر يُضاعف له الأجر‏.‏ وقال‏:‏ إن المصائبَ بمنزلة العذاب، فإنَّه مكفرٌ مطلقاً‏.‏ كذلك المصائب أيضاً نوعٌ من العذاب، فلا يشترط فيها الصبر، بل تلك في المسلم للكفارة وضعاً‏.‏ قلت‏:‏ ونحوه عندي الحرُّ والقر، فإنَّه يكفرُ أيضاً، وإليه يشير قوله‏:‏ ما يصيبُ المسلِمَ من نَصَبٍ، ولا وَصَبٍ، ولا هم، ولا حُزن، ولا أذى، ولا غم‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ»‏.‏

5641- قوله‏:‏ ‏(‏النصب‏)‏‏:‏ التعب‏.‏

5641- قوله‏:‏ ‏(‏والوَصَب‏)‏‏:‏ الحرارة في البدن، سواء كانت من الحمى أو غيره‏.‏

5641- قوله‏:‏ ‏(‏والهم‏)‏‏:‏ ما يهمك‏.‏

5641- قوله‏:‏ ‏(‏والحزن‏)‏ في الماضي‏.‏

5641- قوله‏:‏ ‏(‏والغم‏)‏‏:‏ ما تغتم له كهتن‏.‏

5643- قوله‏:‏ ‏(‏كالخامة‏)‏ يقال‏:‏ خامة الزرع أول ما ينبت على ساقٍ واحد‏.‏

5643- قوله‏:‏ ‏(‏الأرزة‏)‏ صنوبر جيتر‏.‏

5644- قوله‏:‏ ‏(‏والبلاء‏)‏‏:‏ الامتحان آزمائش والبلاء بالفارسية معناه المصيبة، وكذلك الجفاء في العربية البدوية كنوار صلى الله عليه وسلّم وفي الفارسية بمعنى الظلم‏.‏

5648- قوله‏:‏ ‏(‏شوكة فما فوقها‏)‏ وراجع له البيضاوي من قوله تعالى‏:‏ ‏{‏مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا‏}‏ ‏(‏‏)‏‏.‏ وقد تكلمت عليه في رسالتي «فصل الخطاب» في حديث‏:‏ «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب»، فما فوقها، أو فصاعداً‏.‏ وهو عند اللغويين لتعيينِ ما قبله، مع التخيير فيما بعده‏.‏ وهذا لغير الحنفية في وجوب ضم السورة، فيمكن أن يكونَ التخييرُ فيه راجعاً إلى كمية السورة، لا إلى نفسِها، فالتخيير يكون في طولها وقصرها، وحينئذٍ لا يُخالفنا‏.‏ ثم أهل اللغة نظراً إلى ما شاع فيه قوله‏:‏ فصاعداً عندهم، ولم ينظروا إلى الاستعمال الشرعي، فكيف ما كان يثبتُ وجوب السورة بدلائله، فإذا ثبتَ وجوبَه يتعينُ قوله‏:‏ فصاعداً، فيما قلنا، ولا بد‏.‏

باب‏:‏ فَضْلِ مَنْ يُصْرَعُ مِنَ الرِّيح

باب‏:‏ فَضْلِ مَنْ ذَهَبَ بَصَرُه

باب‏:‏ عِيَادَةِ النِّسَاءِ الرِّجَال

وَعادَتْ أُمُّ الدَّرْدَاءِ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ المَسْجِدِ، مِنَ اْلأَنْصَارِ‏.‏

كُلُّ امْرِىءَ مُصَبَّحٌ في أَهْلِهِ *** وَالمَوْتُ أَدْنَى مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ

وَكانَ بِلاَلٌ إِذَا أَقْلَعَتْ عَنْهُ يَقُولُ‏:‏

أَلاَ لَيتَ شِعْرِي هَل أَبِيتَنَّ لَيلَةً *** بِوَادٍ وَحَوْلِي إِذْخِرٌ وَجَلِيلُ

وَهَل أَرِدَنْ يَوْماً مِيَاهَ مِجَنَّةٍ *** وَهَل تَبْدُوَنْ لِي شَامَةٌ وَطَفِيلُ

قالَتْ عائِشَةُ‏:‏ فَجِئْتُ إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلّم فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ‏:‏ «اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَينَا المَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ، اللَّهُمَّ وَصَحِّحْهَا، وَبَارِكْ لَنَا في مُدِّهَا وَصَاعِهَا، وَانْقُل حُمَّاهَا فَاجْعَلهَا بِالجُحْفَةِ»‏.‏

وفسره بعضهم بإِصابة الجن‏.‏ وآخرون بداءٍ يُسمَّى مركى‏.‏ وأهل العرف يعبرون‏:‏ بصَرَع الجن، عن صرع الريح‏.‏ والظاهر أن المراد ههنا هو الداء المشهور، لأن إلمامَ الجن لا يكون إلا من عشق، أو إيذاء، وحينئذ لا يليق تحريض النبي صلى الله عليه وسلّم إياها على الصبر‏.‏

باب‏:‏ عِيَادَةِ الصِّبْيَان

باب‏:‏ عِيَادَةِ اْلأَعْرَاب

باب‏:‏ عِيَادَةِ المُشْرِك

باب‏:‏ إِذَا عادَ مَرِيضاً، فَحَضَرَتِ الصَّلاَةُ فَصَلَّى بِهِمْ جَمَاعَة

باب‏:‏ وَضْعِ اليَدِ عَلَى المَرِيض

باب‏:‏ ما يُقَالُ لِلمَرِيضِ، وَما يُجِيب

باب‏:‏ عِيَادَةِ المَرِيضِ، رَاكِباً وَماشِياً، وَرِدْفاً عَلَى الحِمَار

5655- قوله‏:‏ ‏(‏إن ابنتي قد حضرت‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، وفي الهامش‏:‏ «الابن»، بدل‏:‏ «البنت»، وهو الصواب‏.‏ ثم إن هذا الولد كان قد دخل في النَّزْع، فأحياه الله تعالى بركة النبيِّ صلى الله عليه وسلّم ففيه معجزة إحياء الميت‏.‏ ولعلماء ذكروا فيها رواية، أو روايتين، وهاتان أيضاً ضعيفتان، فالأَولى أن يَتمسكَ بهذه الرواية‏.‏ نعم، بقي شيء، وهو أنه هل يمكن عود الحياة بعد الدخول في النَّزْع، أو لا‏؟‏ فإن ثبت أنه لا يمكن، ثبت في حياةَ هذا الابن كانت معجزةً للنبيِّ صلى الله عليه وسلّم وإلا لا، لكن المثبت عندهم أن العودَ ممكن، كما مر مني تحقيقه‏.‏

5660- قوله‏:‏ ‏(‏أذى‏:‏ مرض‏)‏ وفي الهامش‏:‏ من مرض، فالناسخُ كتبَ العامِلُ على الهامش، وأعرب في الصُّلب، باعتبار الهامش، ومثله كثيرٌ في تلك النسخة‏.‏

5661- قوله‏:‏ ‏(‏كما تحات ورق الشجرة‏)‏ شبَّه الخطايا بالوَرَق، لكونها من العوارض الخارجية، فتحط كحط الورق، وأمثال الأنبياء مما ينبغي الاعتناء بها، لأنها تُنبىء عن حقائق، وليست تخييلاً فقط‏.‏

باب‏:‏ قَوْلِ المَرِيضِ إِنِّي وَجِعٌ،أَوْ وَارَأْسَاهْ، أَوِ اشْتَدَّ بِي الوَجَع

وَقَوْلِ أَيُّوبَ عَلَيهِ السَّلاَمُ ‏{‏أَنّى مَسَّنِىَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ‏}‏ ‏(‏الأنبياء‏:‏ 83‏)‏‏.‏

باب‏:‏ قَوْلِ المَرِيضِ قُومُوا عَنِّي

باب‏:‏ مَنْ ذَهَبَ بِالصَّبِّي المَرِيضِ لِيُدْعى لَه

باب‏:‏ تَمَنِّي المَرِيضِ المَوْت

باب‏:‏ دُعاءِ العَائِدِ لِلمَرِيض

وَقالَتْ عائِشَةُ بِنْتُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهَا‏:‏ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم «اللَّهُمَّ اشْفِ سَعْداً»‏.‏

باب‏:‏ وُضُوءِ العَائِدِ لِلمَرِيض

باب‏:‏ مَنْ دَعا بِرَفعِ الوَبَاءِ وَالحُمَّى

كُلُّ امْرِىءٍ مُصَبَّحٌ في أَهْلِهِ *** وَالمَوْتُ أَدْنَى مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ

وَكانَ بِلاَلٌ إِذَا أُقْلِعَ عَنْهُ يَرْفَعُ عَقِيرَتَهُ فَيَقُولُ‏:‏

أَلاَ لَيتَ شِعْرِي هَل أَبِيتَنَّ لَيلَةً *** بِوَادٍ وَحَوْلِي إِذْخِرٌ وَجَلِيلُ

وَهَل أَرِدَنْ يَوْماً مِيَاهَ مِجَنَّةٍ *** وَهَل يَبْدُوَنْ لِي شَامَةٌ وَطَفِيلُ

قالَ‏:‏ قالَتْ عائِشَةُ‏:‏ فَجِئْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلّم فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ‏:‏ «اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَينَا المَدِينَةَ كَحُبِّنا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ، وَصَحِّحْهَا، وَبَارِكْ لَنَا في صَاعِهَا وَمُدِّهَا، وَانْقُل حُمَّاهَا فَاجْعَلهَا بِالجُحْفَةِ»‏.‏

566- قوله‏:‏ ‏(‏لقد هممت، أو أردت أن أرسل إلى أبي بكر وابنه، وأعهد أن يقول القائلون‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، وفيه دليل على أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم لو كتب شيئاً في حديث القِرْطاس لكتبَ خلافةَ أبي بكر، ولكنه لم يكتب، لأنه علم أنَّ الله يأبى، ويدفع المؤمنين، إلا أبا بكر‏.‏ ولأنه لو استخلفَ، ثم خَالفه الناس لوقعوا في العذاب‏.‏

5668- قوله‏:‏ ‏(‏إنك إن نذر ورثتك أغنياء‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، وفي «الترغيب والترهيب» مرفوعاً‏:‏ «أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم رأى رجلاً جاءه ملكُ الموت يقبض روحَه، وكان قلبُ الرجل معلقاً بخدمة أبويه، فقامت مبرَّته لوالديه، تدفعه، حتى دفع اللَّهُ عنه الموت»، وفي إسناده بشر بن الوليد الكنفي، حنفي المذهب، تلميذ خاص لأبي يوسف‏.‏ ودل الحديث على أنَّ بعض المراحل البينية تتدفعُ بالدفع، وإن كان الوقتُ المحتوم لا يتقدم، ولا يتأخر‏.‏

وانحل من هذه الرواية ما في الأحاديث، أن البِرَّ يزيدُ في العمر، فزيادة البر إنما هي في المراحل البينية، فلولا بره لمات ساعتئذٍ، ولكن بِرَّه لوالديه أخره متاعاً إلى حين وقيل‏:‏ معنى زيادةُ البر في العمر أنه يُعطى له ثمانون مثلاً، لأن الله يريدُ أن يستعملَه في البر‏.‏

5673- قوله‏:‏ ‏(‏فسددوا، وقاربوا‏)‏ بلند صلى الله عليه وسلّم وازى مت كرو صلى الله عليه وسلّم س صلى الله عليه وسلّم س آجاؤ وهذا اللفظ من السهل الممتنع‏.‏

5673- قوله‏:‏ ‏(‏فلعله أن يستعتب‏)‏ شايد خدا تعالى رجوع كى صورت نكالى أورده توبه كرلى‏.‏

5674- قوله‏:‏ ‏(‏وألحقني بالرفيق الأعلى‏)‏ وفي رواية‏:‏ «الملأ الأعلى»، ولا نزاع في أن لهم تدبيراً في هذا العالم، فخرج من الدعاء بالإِلحاق معهم، أن أرواح الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، والمكملين أيضاً لفعل التدبير مثلهم، فمن أراد أن يتكلم فيه فلينظر فيه‏.‏

كتاب‏:‏ الطب

باب‏:‏ ما أَنْزَلَ اللّهُ دَاءً إِلاَّ أَنْزَلَ لَهُ شِفَاء

باب‏:‏ هَل يدَاوِي الرَّجُلُ المَرْأَةَ أَوِ المَرْأَةُ الرَّجُل

باب‏:‏ الشِّفَاءُ في ثَلاَث

5680- قوله‏:‏ ‏(‏شربة عسل‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، وحاصله‏:‏ أن المرضَ الصفراوي يكثر في أرض العرب، فتفيدُ فيه شَرْبة عسل، وشَرْطةُ المحجم في الأمراض الجلدية ومن خواصِّ العسل أنه حار، فإذا شيبَ بماءٍ صار بارداً‏.‏ ومن شربَ عسلاً فأحسن حرارة، ينبغي له أن يغتسِلَ، فإنَّه تذهب عنه تلك الحرارة، بإِذن الله تعالى‏.‏

5680- قوله‏:‏ ‏(‏أنهى أمتي عن الكيّ‏)‏ وذلك لأنَّ وَسْم البدنِ بالنار تشاؤم‏.‏

5680- قوله‏:‏ ‏(‏ورواه القمى عن ليث‏)‏ والقمي هذا متهم بالتشيع، وأخرج عنه البخاري تعليقاً‏.‏ وأخرج عن آخرين ممن اتُّهموا بالخروج أيضاً، وهؤلاء أكثر ممن اتهموا بالرفض، ولكنهم كلهم صدوق في اللهجة، عدول‏.‏ وذلك لأنَّ الخوارجَ أصدقُ من الروافض، فإنَّ الزلة العلمية لا تُسقط بها العدالة، بخلاف الكذب فالخوارجُ تُقبل روايتهم، إن لم يثبت كذبهم، لأنهم رَكِبُوا غلطاً علمياً، بخلاف الروافض، فإنَّ مبناهم على الكذب والزورِ، وهذا في باب الرواية أشدُّ الجروح‏.‏

باب‏:‏ الدَّوَاءِ بِالعَسَل

وَقَولِ اللّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فِيهِ شِفَآء لِلنَّاسِ‏}‏ ‏(‏النحل‏:‏ 69‏)‏‏.‏

5683- قوله‏:‏ ‏(‏أو لذعة بنار توافق الداء‏)‏ والمراد من اللذعة‏:‏ الكيّ، وترجمته سوزش ودل قيدُ موافق الداء أنها شرطٌ للشفاء، فلا يلزم أن يفيدَ العسلُ في كل داء‏.‏

5684- قوله‏:‏ ‏(‏صدق الله، وكذب بطن أخيك‏)‏ والصدق والكذب ههنا من صفاتِ الفعل‏.‏

باب‏:‏ الدَّوَاءِ بِأَلبَانِ اْلإِبِل

باب‏:‏ الدَّوَاءِ بِأَبْوَالِ اْلإِبِل

فيه صراحة بأن شرب أبوال الإِبل وألبانها في قصة العُرَنِيِّين، كان مبنياً على التداوي، لا على طهارتها، كما ذهب إليه مالك‏.‏ والتداوي بالمحرم جائز عندنا، على ما علمت تقريره‏.‏ والتداوي بالأشياء الطاهرة ظاهر، ولبن الإِبل، وغيره فيه سواء، فلا معنى لتخصيصه‏.‏

5685- قوله‏:‏ ‏(‏وددت أنه لم يحدثه‏)‏ وذلك لأن الحَجَّاج كان يتتبَّعُ مثلَ هذه الأشياء‏.‏

وهو الشونيز، وفي الهندية كلونجى وهو غير حب النيل، والشبرم، فإنَّه سُم حارٌ جداً، وترجمته كالادانه وبعضهم ترجم الحبة السوداء به، وهو غلطٌ‏.‏ وقد كتب جالينوس في الشونيز أربعين فائدة، ومالنا ولجالينوس، وإنما هو دواءٌ من ربنا، ينتفع به من توكل عليه، وفوض أمرَه إليه‏.‏

فائدة‏:‏ كتب السيوطي أنه كان إذا فات عنه التهجد مرض، وكتب أنه زار النبيَّ صلى الله عليه وسلّم اثني وعشرين مرة في اليقظة، ومع ذلك ردَّ على السخاوي، وأغلظ في الكلام، وصنف رسالة سماها «الكاوي على رأس السخاوي» مع أن السخاوي كان أعلم منه‏.‏

باب‏:‏ الحَبَّةِ السَّوْدَاء

باب‏:‏ التَّلبِينَةِ لِلمَرِيض

باب‏:‏ السَّعُوط

باب‏:‏ السُّعُوطِ بِالقُسْطِ الهِنْدِيِّ والبَحْرِي

وَهُوَ الكُسْتُ، مِثْلُ الكافُورِ، وَالقَافُورِ، مِثْلُ ‏{‏كُشِطَتْ‏}‏ ‏(‏التكوير‏:‏ 11‏)‏ وقُشِطَتْ‏:‏ نُزِعَتْ، وَقَرَأَ عَبْدُ اللّهِ‏:‏ قُشِطَتْ‏.‏

والسَّعوط‏:‏ هو الإِقطار في الأنف، واللدود ما يُلقى من أحد جانبي الفم، والقُسط الهندي ما يحصل من كشمير‏.‏ والمراد منه كت والعود الهندي اكر وليس بمراد ههنا، فليُتنبه، فإنَّه مضرٌ‏.‏

5692- قوله‏:‏ ‏(‏يستعط به من العذرة‏)‏ ويقال له بالفارسية‏:‏ سقوط اللَّهاة، وبالهندية كاك كرنا، وغمزها بالإِصبع العلاق والأعلاق، ويقال له‏:‏ الدَّغْر أيضاً وكان علاج العُذْرة عندهم بالغمز، حتى يخرج منها الدم، فعلمهم النبيُّ صلى الله عليه وسلّم علاجاً أسهل، وأنفع‏.‏ ثم إن المراد من ذات الجنب هو الغير الحقيقي الذي يعرض باحتقانِ الرياح الفاسدة في الصدر، دون الحقيقي الذي يَحدثُ من التورم، فإن العودَ الهندي يضره، وينفع في الأول‏.‏ ويقال له بالهندية‏:‏ باؤكولا‏.‏

باب‏:‏ أَيَّ سَاعَةٍ يَحْتَجِم

وَاحْتَجَمَ أَبُو مُوسى لَيلاً‏.‏

باب‏:‏ الحَجْمِ فِي السَّفَرِ وَاْلإِحْرَام

قالَهُ ابْنُ بُحَينَةَ، عَنِ النبي صلى الله عليه وسلّم

باب‏:‏ الحِجَامَةِ مِنَ الدَّاء

باب‏:‏ الحِجَامَةِ عَلَى الرَّأْس

باب‏:‏ الحَجْمِ مِنَ الشَّقِيقَةِ وَالصُّدَاع

باب‏:‏ الحلقِ مِنَ اْلأَذَى

لعله يُشير إلى حديث عند أبي داود، فيه تفصيل الأيام للاحتجام، وهذا حديث ضعيف، ولكن ذكر له ابن سيناء حمةً حسنة، فقال‏:‏ إن الأخلاط الطيبة في أول النصف تكون على الظاهر، والرديئة في الباطن، على عكس النِّصف الثاني، فتخرجُ المادةُ الفاسدة من الاحتجاج في النصف الآخر، لكونها في الظاهر، بخلافِ الاحتجام في النصف الأول‏.‏

باب‏:‏ مَنِ اكْتَوَى أَوْ كَوَى غَيرَهُ، وَفَضْلِ مَنْ لَمْ يَكْتَو

باب‏:‏ الإِثْمِدِ وَالكُحْلِ مِنَ الرَّمَد

فِيهِ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ‏.‏

واعلم أنَّ الكيَّ وإن كان نافعاً، إلا أن الشرع قد نهى عنه، فخرج منه أنه لا تعارضَ بين كون الشيء نافعاً، ومنهياً عنه وبعبارة أخرى أن النهي عن الشيء لا يُوجب أن لا يكون في المنهى عنه فائدة‏.‏ وهذا كالخمر، فإن القرآنَ قد نهى عنها، مع إقراره بالمنافع فيها واستبعده القاضي أبو بكر بن العربي، فحمل منافعَ الخمر على منافع التجارة، وقد تكلمنا عليه من قبل مبسوطاً‏.‏

5705- قوله‏:‏ ‏(‏لا رقية إلا من عين‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، وترجمته بالفارسية افسون وبالهندية منتر إلا أن المناسب ههنا دم لأن منتر مختص بما اشتمل على كلمات غير مشروعة‏.‏ وإنما رخص بها في العين، والعمة، لظهور تأثيرها فيهما، وليس لهما علاجٌ غير الرقية‏.‏ أما العين فكثير منهم ينكرونه ولا يحسبونه شيئاً مؤثراً‏.‏ وأما الحمة، فإن كان لها علاج عندهم، لكنه لا يتيسر لكل أحد ويتألم المرء من الحمة تألّماً شديداً والرقية تؤثر فيه على ما شَهِدت به التجربة‏.‏

5705- قوله‏:‏ ‏(‏لا يسترقون‏)‏ والأحسن في ترجمته منتر لكون الرقية ههنا في سياق النفي‏.‏

5705- قوله‏:‏ ‏(‏ولا يتطيرون‏)‏ وكرهه الرشرع، واستحب الفَأْل، لأن من تفاءل، وأحسن ظنه بربه، يُرجى له أن يُعامل معه ربه حسب ظنه، فإنَّه عند ظن عبدِه به‏.‏

5705- قوله‏:‏ ‏(‏‏{‏وَعَلَى رَبّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ‏}‏‏)‏ فالتوكل هو الدعامة في هذا الباب وقد قدمنا من تقسيم الغزالي في الأسباب‏.‏ أن النوعَ الذي يترتبُ عليه المسبب ضرورةً عادة، كالأكل للجوع، يجب عليه مباشرتها، والتوكل فيها بأن يتركها معصية‏.‏ وأما النوع الذي تترتب المسبَّبَات عليه غالباً، فتركه ليس بضروري أيضاً، كالدواء للمرض بقي النوع الذي قد يترتب عليه المسبب، وقد يتخلف عنه، فهذا مما يعدُّ تركُه توكلاً‏.‏

ثم التطير مكروه في نفسه أيضاً، مع قطعِ النظر عن كونه خلافَ التوكل‏.‏ ثم رأيتُ نقلاً عن أحمد أن تركَ الأسباب أصلاً ليس من التوكل في شيء، وفي حديث ابن ماجه‏:‏ «إنكم لو توكلتم على الله حقَّ التوكل، لغدوتم خِماصَاً، ولرحتم بِطَاناً، كالطيور»- بالمعنى- وهذا يدل على العبرة بهذا النوع أيضاً‏.‏ فلم أزل أترددُ فيه حتى رأيت عن أحمد أن الطيورَ أيضاً تباشر الأسباب، فيطيرون في طلب الرزق، غير أن أسبابَ طلبِ الرزقِ ليست عندهم، مثلُها عندنا، ولكنهم لا يتعطَّلون عن مباشرة الأسباب التي تليق بشأنهم، وهي الطيران مثلاً‏.‏ وحينئذ اندفع الإِشكال‏.‏ ومع هذا أقول‏:‏ إن ترك الأسبابِ مطلقاً أيضاً نوع من التوكل، لكنه توكل أخصِّ الخواص‏.‏

باب‏:‏ الجُذَام

5707- قوله‏:‏ ‏(‏لا عدوى‏)‏ واعلم أنَّ الأشاعرة زعموا أن العالم بأسره ذخيرة للأشياء الغير مرتبطة فقط، ليس فيه سببٌ، ولا مسبب، ولا تأثير، وأثر، وإنما حكم الناس بسلسلة التسبيب، نظراً إلى القِران بين الشيئين فإذا نظروا إلى أن هذين الشيئين، يوجدان معاً على سبيل الأغلب، حكموا بكون واحد منهما سبباً، والآخر مُسبباً، فلا إحراق في النار، ولا إغراق في الماء، فكأنهم هدروا سلسلَة الأسبابِ كلها‏.‏ وهذا ما في آخر سُلَّم العلوم، أن ترتُّبَ النتيجة عند الأشعري على سبيل العادة فقط، بدون تسبيب في نفس الأمر، حتى نُسب إليهم أنَّ من قال بالتسبيب فقد كفر، كذا في «روح المعاني»‏.‏

قلتُ‏:‏ ولا أظن بالأشعري أن يكون هدر سلسلَة الأسباب بأسرها، وإن نُسب إليه ذلك، فهو عندي من المسامحات في النقول وقال الشيخ الماتريدى‏:‏ إن في الأشياء خواصٌّ، وهي مؤثرة بإِذن الله تعالى، والسببية والمُسبَّبية في الأشياء أيضاً من جعلِ الله تعالى، وهذا هو الصواب‏.‏

إذا علمت هذا، فاعلم أنهم اختلفوا في شرح الحديث، فقيل‏:‏ إن نفي العدوى محمول على الطَّبع، أي لا عدوى بالطبع، أما بجعل الله تعالى فهو ثابت‏.‏ وذكروا له شروحاً أخر أيضاً، والأصوب ما ذكره ابن القيم في «زاد المعاد»‏:‏ أن العدوى المنفى، هو اتباع الأوهامِ فقط، بدون تسبيبٍ في البَيْن، كما يزعمه هنود أهل الهند‏.‏ وترجمته على حسب مراده، اركر بيمارى لك جانا فلا عدوى عند الشرع وأما قوله‏:‏ «ولا طِيرة»، فلكونه غير مفيد، لا يجلب شيئاً، ولا يرد شيئاً‏.‏

5707- قوله‏:‏ ‏(‏لا هامة‏)‏ الأصوب أن يُقرأ- بتخفيف الميم ‏:‏ نوع من الطائر كان العربُ يزعَمون أنه إذا تصوت في موضعٍ يذره يَلْقَع، فرده الشرع أن هذا الزعم باطلٌ، ولا دخل له في العمارة والتَّخريب‏.‏

5707- قوله‏:‏ ‏(‏ولا صفر‏)‏ كان عندهم أنَّ ماهية الجوع دود يتحرك في البطن، فردَّه الشرعُ أيضاً، وذكر له البخاري معنى آخر، كما يجيء في ترجمة الباب، فقال‏:‏ هو داء يأخذُ البطن‏.‏

5707- قوله‏:‏ ‏(‏فرّ من المجذوم‏)‏ فيه رعاية للتسبيب؛ قلت‏:‏ وإذ قد اعتبرَه الشرع مرةً، فكيف يهدُرُه أخرى‏.‏

باب‏:‏ المَنُّ شِفَاءٌ لِلعَين

باب‏:‏ اللَّدُود

والأسود من الكمأة مضر، فإنَّه سُمٌّ‏.‏

5713- قوله‏:‏ ‏(‏أعلقت عليه‏)‏ تردد أهل اللغة في صلته، أنها عن، أو على، وهذا الذي أراده الراوي‏.‏

باب‏:‏ العُذْرَة

باب‏:‏ دَوَاءِ المَبْطُون

باب‏:‏ لاَ صَفَرَ، وَهُوَ دَاءٌ يَأْخُذُ البطْن

باب‏:‏ ذَاتِ الجَنْب

باب‏:‏ حَرْقِ الحَصِيرِ لِيُسَدَّ بِهِ الدَّم

باب‏:‏ الحُمَّى مِنْ فَيحِ جَهَنَّم

باب‏:‏ مَنْ خَرَجَ مِنْ أَرْضٍ لاَ تُلاَئِمُه

5714- قوله‏:‏ ‏(‏فصب عليه من تلك القرب، حتى جعل يشير إلينا أن قد فعلتن، قالت‏:‏ وخرج إلى الناس، فصلى لهم، وخطبهم‏)‏ هذا الذي قلت‏:‏ إن النبي صلى الله عليه وسلّم خرج إليهم في العشاء، وأي حاجة لنا أن ننقض تلك السلسلة، فنقول‏:‏ لعله خرج في غير تلك الصلاة‏.‏

فائدة‏:‏ واعلم أنَّ أهلَ اللغة يكتبون أسماءَ الأمراض بإِزاء العوارض، لأن تلك العوارض في مشاهدتهم، ولا يكون لهم بحث عن أسبابها، وإنما هو فعلُ الطبيب، فإن الضحك عندهم موضوعٌ لهيئة تعرض للرجل عند إدراك الأمور الغريبة، وأما سببه ماذا هو، فلا بحث لهم عنه،- والذي تحقق لي أنه يحدث بوثَبةٍ في الرئة- كذلك الشرع يُطلق أسماءَ المبادىء على ما في الظاهر، كالنِّيل، والفُرَات، كانا اسمين للمبدأين، فأطلقهما على نهرين ظاهرين أيضاً، فاعلمه‏.‏

باب‏:‏ ما يُذْكَرُ في الطَّاعُون

وراجع فيه «الدر المختار»‏.‏ واعلم أنَّ في قول عمر‏:‏ «نفر من قدر الله إلى قدر الله»، علماً، ثم أوضحه هو بنفسه، أنك إذا رعيت إبلك في هذا الوادي مرة، وفي هذا مرة، فهل تعده فراراً من القدر، فإذا أنت لا تعدُّ أمورَك في ليلك ونهارك خلافاً للقدر، فمالك تعد الخروجَ من البلد المطعون فراراً من القدر، فنحن في الأحوال كلها في حيطة التقدير، أقمنا أو خرجنا‏.‏

ثم إن النهيَ عن الخروج مطلقٌ في أكثر الأحاديث، وفيه قيدٌ مفيد في حديث ابن عباس الآتي‏:‏ «فلا تخرجوا فراراً منه»، وكثيراً ما يكون القيدُ مذكوراً في بعض الطرق، ويغفُل عنه الناس، ويقعون في الإِشكالات‏.‏ ثم إنك قد علمت أن عدم دخول الدجال في المدينة متيقنٌ، أما الطاعون فلم يدخل بعدُ فيها، وهو المرجو فيما يأتي‏.‏ وقيد إن شاء الله تعالى، يرجع إلى الطاعون دون دخول الدجال، وفي حديث- أظن أنَّ إسناده ضعيف- أن الجنَّ ينتشرون في أيام الطاعون، ويطعنون في مغابن الناس، ولذا يرى الناس رؤيا تخوفهم وتحزنهم‏.‏

حكاية‏:‏ سأل ملك كشمير، مولانا أحمد الكشميري عن التقدير، وقال‏:‏ تقدير بركردد فقال له‏:‏ اكردر تقدير ماشد‏.‏

5729- قوله‏:‏ ‏(‏إني مصبح على ظهر‏)‏، مين وا صلى الله عليه وسلّم هوؤنكا ادهرسى جدهر سى آيا هون‏.‏

5729- قوله‏:‏ ‏(‏له عدوتان‏)‏- اوسكى دو كناره هون‏.‏

باب‏:‏ أَجْرِ الصَّابِرِ في الطَّاعُون

باب‏:‏ الرُّقَى بِالقُرْآنِ وَالمُعَوِّذَات

باب‏:‏ الرُّقَى بِفَاتِحَةِ الكِتَاب

وَيُذْكَرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النبي صلى الله عليه وسلّم

باب‏:‏ الشَّرْطِ في الرُّقْيَةِ بِقَطِيعٍ مِنَ الغَنَم

باب‏:‏ رُقْيَةِ العَين

باب‏:‏ العَينُ حَق

باب‏:‏ رُقْيَةِ الحَيَّةِ وَالعَقْرَب

5734- قوله‏:‏ ‏(‏مثل أجر شهيد‏)‏ فإنه وإن لم يقتل في المعركة، لكنه أرى من نفسه ثَبَاتاً، ورضي بما كتب الله له‏.‏

باب‏:‏ رُقْيَةِ النبي صلى الله عليه وسلّم

باب‏:‏ النَّفثِ في الرُّقْيَة

باب‏:‏ مَسْحِ الرَّاقِي الوَجَعَ بِيَدِهِ اليُمْنى

باب‏:‏ في المَرْأَةِ تَرْقِي الرَّجُل

باب‏:‏ مَنْ لَمْ يَرْق

باب‏:‏ الطِّيرَة

باب‏:‏ الفَأْل

باب‏:‏ لاَ هَامَة

وترجمتُه فيما وافقت الشرع دم وفيما خالفته منتر‏.‏

5744- قوله‏:‏ ‏(‏أمسح البأس‏)‏- بأس كو صلى الله عليه وسلّم صلى الله عليه وسلّم هه دى يعنى دور كردى‏.‏

5746- قوله‏:‏ ‏(‏تربة أرضنا‏)‏، ولعله كان يُحلِّق بِها حول الدُّمَّل، أو يضمِّدُ عليه‏.‏

5746- قوله‏:‏ ‏(‏ريقة بعضنا‏)‏، ولعله كان بعض ريقتنا، فوقع فيه قلب، رعاية للسجع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏النفث‏)‏ والنفث هو الذي فيه أجزاء من الرِّيق أيضاً‏.‏

5747- قوله‏:‏ ‏(‏الرؤيا من الله‏)‏ والتقسيم ههنا ثنائي، وفي بعض الأحاديث ثلاثي ثم إن الحديث لم يعط ههنا ضابطةً كلية لمعرفة أنواع الرؤيا، ولكن هَدى إلى أَمَارة تنفعُ في ذلك، فقال‏:‏ ما كان سَطحُه مباركاً، فهو من الله، وما كان سطحه مشوهاً، فهو من الشيطان، وليس ذلك كلية، فلا طرد عليها، ولا عكس، فلا نقض برؤيا في أحد، ونحوها‏.‏

فائدة‏:‏ ذكر الرازي حكاية ذيل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏عَلِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً‏}‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ ‏(‏‏)‏‏:‏ إن امرأة أخبرت الملك عن أمرِ بالغيب، فوقع كما كانت أخبرت به، فجاء الشوكاني، وعدَّه من زيغ فلسفته‏.‏ قلت‏:‏ وَاعجباً له، أعجز أنْ يعلمَ أنَّ للأخبار من الغيب ستة وأربعين فناً عندهم، على أن بعضهم تكون له مناسبة فطريةً بالغيوب، فيُخبر عنها، ويقع كما أخبر به‏.‏ وإن شئت التفصيل، فراجع «المقدمة» لابن خلدون، ونعم ما قيل‏:‏ المرء إذا أتى في غير فنِّه أتى بالعجائب‏.‏

5753- قوله‏:‏ ‏(‏لا عدوى‏)‏ نفيٌ لاتباع الأوهام‏.‏ والعدوى ثابتة في الأقوام كلها، غير أهل الإِسلام أما ملابسة المجذوم، فهو من التَّسبيُّبِ، وقد أجاب الحافظ عن تعارض الحديثين في نفي العدوى، والفرار من المجذوم، بالوجهين‏.‏ ونقل جواباً عن الشيخ عمرو بن الصلاح‏.‏ قلت‏:‏ والحق أحق أنْ يُتَّبع أنَّ الحافظ حافظٌ فنَّه، ولا ريب، أما إن السببية الطبعية، ماذا هي في الفلسفة‏؟‏ وماذا ارتباطها بالقدرة‏؟‏ وأنها هل يمكن اجتماعها مع القدرة أو لا‏؟‏ فتلك أمور لا يعرفها الحافظ، ولم أدر من تصنيف من تصانيفه أنه كانت له يد في الفلسفة، وهكذا لابن تيمية أيضاً‏.‏ فإنَّه، وإن كان متبحراً فيها، لكن كلامَه أيضاً منتشرٌ، ليس كالحاذِق في الفن، وقال الصفدي فيه‏:‏ إن علمَه أكبرُ من عقله‏.‏